التربية والتعليم

السجائر الإلكترونية تتسلل إلى حقائب الطلبة

تحقيق: سومية سعد

انتشرت في الآونة الأخيرة السجائر الإلكترونية، وخاصة بين طلاب المدارس، حيث أصبح الكثير من الطلاب مهووسين بها، ويقبلون عليها وخاصة لنكهاتها بطعم الفاكهة، يتوهمون بأنها أخف ضرراً من العادية.

ولكن المصيبة الكبرى أنها خطر داهم وسموم قاتلة على المدى البعيد، وعندما يعتاد الطالب إخفاء التدخين عن أسرته يعتاد إخفاء أشياء أخرى وسلوكات لا أخلاقية أخرى قد يمارسها فيما بعد، فضلاً عن أنها ربما تكون بداية للإدمان.

ودعا الاختصاصيون الاجتماعيون والنفسيون الجهات المعنية إلى تفعيل التشريعات الخاصة بمكافحة التدخين بصورة أكبر، خاصة بين طلاب المدارس، وتكثيف حملاتها لتوعية أفراد المجتمع بمخاطر السجائر خاصة الإلكترونية، وخاصة أن لها الكثير من الأضرار الجسيمة على الصحة نكشف عنها في السطور الآتية.

في البداية تقول أم عمر: لقد فوجئت بابني الطالب في المرحلة الإعدادية، في حقيبته المدرسية سيجارة إلكترونية، وعندما سألته قال أخذها من صديقه ليجربها، وأصدقاؤه يشربون أيضاً.

حب التجربة

يقول منير، طالب في الأول الإعدادي: أحببت صديقي وهو مدخن للسجائر الإلكترونية وقررت التجربة، ولأنه صديقي وأجلس معه ساعات طوالاً، طلبت منه تجربتها فوافق؛ فنحن معاً في كل شيء.. المهم بعد ذلك مهّد لي الأمر فكل يوم يعلمني طريقة شربها كي لا أختنق، حتى أصبحت أدخن يومياً سواء معه أو بمفردي. ولم يكن يدرك علي محسن، الطالب في الثانوي أن التقليد الأعمى لصديقه سيكون سبباً لتدخينها، وتشجيعه لشربها لأنها بلا رائحة ولن يكشفه أحد، ليصبح مدمناً لها.

أزمة صدرية

ويقول عمرو الحمادي، طالب الثانوي، إنه لم يتخيل أن يدخل في أزمة صدرية، بعد إدمانه لهذا النوع من السجائر، حيث أصبح يدخن بشراهة بعيداً من أعين أسرته، ولأنها تعتمد على الشفط وأكبر نسبة ممكنة من الدخان في الصدر، والزيت فيها مخلوط بغلسرين، وهو خطر جداً على الصدر.

بلدية دبي

ويقول خالد شريف العوضي، المدير التنفيذي لقطاع البيئة والصحة والسلامة في بلدية دبي: تحظر الأنظمة أن تقدم مقاهي الشيشة التبغ ومنتجاته لمن هم دون 18 سنة، و«قرار منع التدخين، الذي يشمل السجائر الإلكترونية أيضاً، منذ 2009 بالقانون، كما أنه ممنوع التدخين في مداخل المراكز التجارية والأماكن المغلقة».

وأوضح أن البلدية تتولى الرقابة الدورية على محال بيع التبغ للوقوف على أي تجاوزات. ويذكر أن المادة (8) من اللائحة التنفيذية تحظر كل أنواع الدعاية والإعلان المباشرة وغير المباشرة للتبغ ومنتجاته، حيث نصت على حظر الدعاية والإعلان والترويج للتبغ أو منتجاته، باستخدام جميع الوسائل التي تستهدف التشجيع على تعاطي التبغ.

وقالت الدكتورة نسيم رفيع، مديرة إدارة الصحة والسلامة في بلدية دبي، نفّذنا 2418 زيارة على محال تجارة التبغ وأنشطة تقديم خدمة الشيشة في دبي، خلال العام الجاري.

وينفّذ البرنامج الرقابي بصفة دورية، ويشمل كل مؤسسات بيع التبغ ومشتقاته المتضمنة للسجائر الإلكترونية (منتجات النيكوتين الإلكترونية) في الأسواق المحلية للإمارة، حيث يتأكد من سلامة ممارسة النشاط والحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة للمؤسسة، والتأكد من مطابقة تلك المنتجات ومثيلاتها للمواصفات المعتمدة، ومنع بيع أو عرض التبغ أو منتجاته أو السلع المرتبطة به بجوار أماكن عرض أو بيع السلع والمنتجات الغذائية أو الصحية أو منتجات وسلع الأطفال أو الأدوات والملابس الرياضية، ومنع الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في المحال المتخصصة ببيع التبغ أو منتجاته أو السلع المرتبطة به، أو بيعها لهم.

الناحية النفسية

ويقول الأخصائي النفسي سالم العوضي: هذا السلوك السلبي بوابة إلى الانحراف المبكر، إذ إن التدخين بات مشكلة حقيقية ووباءً يطول الصغار والكبار، والطالب يتفاخر بحمل السيجارة الإلكترونية رمزاً للرجولة ولفت الانتباه، وأهم أسباب التدخين عند الطلاب، الميل لإثبات الذات؛ فمرحلة المراهقة فيها الكثير من تقليد الرجال وهي منعطف نحو مرحلة الرجولة التي يصبو إليها الطالب المراهق.

إضافة إلى الدافع نحو المغامرة والاستكشاف وخوض التجارب، فالطالب يريد أن يجرب بغضّ النظر عن النتائج وقناعته بمساوئ التدخين.

ودعا الجهات المعنية إلى تفعيل التشريعات الخاصة بمكافحة التدخين بصورة أكبر، خاصة بين طلاب المدارس، وتكثيف حملاتها لتوعية أفراد المجتمع بمخاطر السجائر خاصة الإلكترونية.

الناحية الاجتماعية

وتقول الاختصاصية الاجتماعية نعمة محسن، لا بدّ من التوعية منذ الصغر وعدم إتاحة المجال للمعلمين بالتدخين في المدرسة أو حتى في ساحاتها، وعرض حالات واقعية تأثرت سلباً من التدخين، وتخصيص جوائز ومكافآت وهدايا لغير المدخنين، والتوعية المستمرة عبر الأحاديث التوجيهية واللقاءات المفتوحة والأنشطة الطلابية والنوادي المدرسية واللافتات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والإلكترونية.

وطالبت الوالدين بأن يكونا قدوة لأبنائهما منذ الصغر، ويحاولا تعريفهم بالحلال والحرام، والأعراف الاجتماعية، المقبول منها والمرفوض.

الناحية الدينية

ويقول الشيخ علي الجناحي، إن علاج مشكلة التدخين يتم عن طريق تنمية الوازع الديني في نفوس الطلاب ورعاية وإرشاد المدخنين فردياً وجماعياً، فضلاً عن استخدام طرق الضبط الذاتي للمدخّن سواء كان طالباً أو غيره، وأهمية إشعار المدخّن وإحاطته بنتائج التدخين الضارّة على الجسم، وإرشاد المدخنين عبر آخرين تركوا التدخين، والتعاون الجادّ بين مؤسسات الدولة لإيجاد آلية لحلول هذه المشكلة.

وطالب أولياء الأمور بأن يكون لهم دور إيجابي في حياة أبنائهم بعدم التدخين.

الناحية القانونية

ويقول المحكّم والمستشار القانوني محمد نجيب: إن المشرّع الإماراتي عمل على حماية الطفل بإصدار قانون اتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل والمعروف باسم قانون وديمة، وتطرق إلى أدق التفاصيل التي تعزز أمنه وسلامته، النفسية والصحية.

ويضيف أن القانون تطرق إلى سبل حمايته من مخاطر مثل التدخين، سواء سلباً في مكان يوجد به، أو إيجاباً بتشجيعه على ذلك؛ فنصت المادة 21 من القانون على حظر بيع التبغ أو منتجاته أو الشروع في بيعها للطفل؛ وللبائع الحق في أن يطلب من المشتري تقديم الدليل على بلوغه سن الثامنة عشرة.

كما ينص القانون على حظر التدخين في وسائل المواصلات العامة والخاصة، والأماكن المغلقة بوجود طفل.

حظر استيراد التبغ

ويضيف المحامي راشد بن سويدان، أن القانون الاتحادي رقم 15 لعام 2009 يحظر استيراد التبغ ومنتجاته إلى الدولة، إلّا بعد استيفاء شروط قياسية. كما يحظر بيع منتجات التبغ لمن يقل عمره عن 18 سنة. وفي وسائل النقل العام، والأماكن العامة مثل دور العبادة، والمعاهد التعليمية والصحية والمرافق الرياضية. ويحظر التدخين أثناء القيادة، بوجود طفل تحت عمر 12 سنة.

ويحظر استيراد سكاكر وألعاب الأطفال، وغيرها من المنتجات المماثلة التي تصنّع على شكل مشتقات التبغ، التي قد تغري وبشكل غير مباشر جيل الشباب لاعتياد عادة التدخين، والإعلانات الدعائية عن التبغ، وأجهزة البيع الأوتوماتيكية لعلب السجائر، والتدخين في الأماكن المغلقة.

الناحية الأمنية

أكدت فاطمة البلوشي، رئيسة قسم الوعي والتثقيف في إدارة حماية المرأة والطفل، أن مبادرة «سفراء الأمان»، في المدارس الحكومية والخاصة من كل الجنسيات هدفها تعريف الأطفال بجهود شرطة دبي ومبادراتها المتنوعة في حماية الطفل، ورفع مستوى وعيهم للحدّ من المظاهر والسلوكات الخطأ. ويناقش محاور رئيسة مثل: الابتزاز الإلكتروني والتنمّر والعنف والانتحار والمخدرات والاعتداء اللفظي والجسدي، وغيرها من الموضوعات المرتبطة بهذه السلوكات.

الناحية الصحية

أكدت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، تطبيق قانون مكافحة التبغ رقم (15) لسنة 2009 ولائحته التنفيذية، على جميع منتجات التبغ الإلكترونية، وتعمل على تنظيم حملات للتوعية والتحذير منها. كما تحذر من منتجات التبغ بشكل عام. وشددت على أنه يمنع تدخين السيجارة الإلكترونية في المكاتب والأماكن المغلقة، بحسب ما ينص عليه القانون.

كما عملت الوزارة على حجب عدد من المواقع الإلكترونية التي تروّج وتبيع منتجات التبغ الإلكترونية للأطفال والشباب ما دون 18 عاماً.

لا تصلح بديلاً

وأكد الدكتور عادل السجواني، أخصائي طب أسرة في «مستشفى فقيه الجامعي»، أن السجائر الإلكترونية ضارّة جداً ولا تصلح بديلاً عن السجائر العادية، كما يظن بعضهم، وخاصة أنها عديمة الرائحة. لكنهم يغفلون عن أضرارها، ومنها زيادة احتمالات الإصابة بزيادة المياه على القلب والرئة، وأنها تسبب الأمراض الرئوية.

ويقول الدكتور بسام محبوب، استشاري ورئيس قسم أمراض الجهاز التنفسي والحساسية في هيئة الصحة في دبي، إن التدخين الإلكتروني أصبح شائعاً لسهولة الحصول عليه، ومكوناته غير معروفة وغير مقنّنة، وتضع مواد ونكهات مختلفة فهي تؤثر في الرئة مثل تليّف خلايا الرئة والفشل الرئوي، وتصل إلى الوفاة. وصغار السن هم أكثر عرضة لزيارة العيادات الطبية للشكوى من أمراض أخرى، مثل نزلات البرد المتكررة والتهابات الصدر، التي قد يغفل بعض الأطباء في تخصص الطب العام عن أن السبب الرئيس وراءها، التدخين الإلكتروني.

جفاف الفم

وتقول الدكتورة سنان لطفي، أخصائية جراحة الفم والوجه والفكين: إن السجائر الإلكترونية لا تقل في خطورتها على الأسنان من السجائر العادية، والسائل توجد به نكهات ومواد كيمائية تؤثر في الأسنان. كما أنها تسبب جفاف الفم الذي يؤدي إلى تسوس الأسنان وظهور أمراض اللثة وجفاف الفم المزمن.

بوابة العبور

في حين يؤكد الدكتور خالد العوضي، طبيب عام، أن السجائر الإلكترونية بوابة العبور إلى الإدمان، وأظهرت دراسة أمريكية جديدة، أن نكهات السجائر الإلكترونية تزيد مخاطر الإصابة بأمراض الرئة والسرطان عن طريق تغيير الحمض النووي للإنسان. والنيكوتين من أخطر المواد السامة ويمتص جسم الإنسان منه مقدار( 2 مل تقريباً ) عن طريق الأغشية المبطنة للفم والأنف والبلعوم والقصبات والرئة.

وتوصي الدكتورة ياسمين الخالدي، المستشارة التربوية والنفسية، الأسرة بالتوعية والإرشاد للطلاب وتوضيح مخاطر التدخين ومساوئه على الصحة العامة، ومساعدتهم على الإقلاع عن هذه العادة بالتدريج، واللجوء إلى الطبيب للمساعدة على التوقف عن التدخين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى