طول اليوم الدراسي ملل وإرهاق وفقدان لشغف التعليم
المصدر: تحقيق – رحاب حلاوة، عصام الدين عوض، عائشة الكعبي، أحمد أبوالفتوح
شكّل طول اليوم الدراسي في بعض المدارس الخاصة هاجساً كبيراً لدى العديد من أولياء الأمور، الذين أكدوا أن أطفالهم يبدأون رحلتهم اليومية عند السادسة صباحاً لتنتهي عند الرابعة عصراً، ما يصيبهم بالإرهاق والتعب، ويستنزف كامل لطاقتهم، فضلاً عمّا ينتظرهم من فروض منزلية لا بد من أدائها وتحضيرات لا بد من القيام بها، مما يهدد رغبتهم في الإقبال على طلب العلم.
وطالب أولياء أمور وتربويون بإعادة النظر في ساعات اليوم الدراسي، وخصوصاً لتلاميذ الروضة وطلبة الحلقة الأولى، أو العمل على الاستغلال الأمثل لهذا الوقت الدارسي الطويل بأن ينجز الطفل واجباته في مدرسته بإشراف معلميه ليتسنى للصغار الجلوس مع أسرهم عند عودتهم.
ورأى معلمون أن رحلة الطالب الطويلة عبر الحافلة المدرسية من وإلى المدرسة من الممكن أن تؤثر على اليوم الدراسي الخاص بالطالب، وبالتالي على مستواه التحصيلي في نهاية العام، كما أن قضاء الطالب لساعات تتعدى نصف يومه يقظاً يؤثر سلباً على تحصيله العلمي، وليس ذلك فقط، بل إنه ينهكه جسدياً ونفسياً، ويحوّل مشاعره الإيجابية تجاه مدرسته ومعلميه إلى مشاعر سلبية يسودها النفور.
ممارسة الهوايات
تقول ولية الأمر فاطمة محمد الحمادي: «إن تأخّر عودة الأطفال إلى المنازل يلغي العديد من الأنشطة اليومية والمجتمعية في حياته وكذلك تلغى ممارسته للهوايات، وذلك يؤثر على صقل مهارات الطفل، وخصوصاً أنه في حاجة لها لتكوين شخصيته».
وطالبت الحمادي بتقليص ساعات اليوم الدراسي، وخصوصاً للمرحلة الابتدائية، وإنهاء المهام والواجبات المدرسية في المدرسة قدر الإمكان ليتسنى للطالب أن يكمل بقية يومه بصورة طبيعية، ويمارس ما يحب، موضحة أن الاعتدال والتوازن في حياتنا مطلوب جداً لكي نعيش حياة مستقرة متوازنة وسعيدة بلا إفراط ولا تفريط.
من جهته، يؤكد ولي الأمر يوسف حسن المرزوقي، أنه يرغب في رؤية سعادة أبنائه وهم يمارسون طفولتهم بشكل سوي، ولكن طول ساعات الدوام الدراسي تمنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم كأطفال، وذلك لأنهم يعودون إلى المنازل ويرمون بأجسادهم الصغيرة على الأسرّة ليأخذوا قيلولة بعد يوم دراسي طويل ومتعب، وتنتهي طاقتهم بعد العودة من المدرسة، ومن هنا يدخل الأطفال في مشكلة اضطراب مواعيد النوم والاستيقاظ، ويصبح ليس لديهم المتسع لكي يجلسوا مع أفراد أسرهم. وتمنى إعادة النظر في ساعات الدوام المدرسي وتقليص وقت المدرسة حتى لو كان هذا التقليص ساعة أو نصف ساعة، فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على الطالب وعلى تنظيم وقته وأمور دراسته وواجباته والتركيز عليها.
وفي السياق ذاته، قالت ولية الأمر أسماء أحمد النقبي، إن إطالة ساعات الدوام المدرسي تمثل مشكلة حقيقية بالنسبة إلى ابنتها الصغيرة، بسبب ضياع الوقت وضعف التركيز والإرهاق الذي يلازمها منذ اليوم الأول، مطالبة بإعادة النظر في اليوم الدراسي وبالذات للأطفال من الروضة حتى المرحلة الأولى، مشيرة إلى أن تقليل عدد الحصص الدراسية بات أمراً ضرورياً، وخصوصاً أن اليوم الدراسي مكدّس بالحصص، وهذا يستنفد حيوية ونشاط الأطفال.
وأوضحت أن ابنتها ملتحقة بمراكز رياضية وعودتها متأخرة من المدرسة يعوق ذهابها إلى أي منها، وذلك لأنها تعود مرهقة وفي حالة خمول.
واعتبرت ولية الأمر عائشة محمد شريف المرزوقي، طول الدوام المدرسي مسألة يجب التوقف عندها قليلاً وإعادة النظر فيها، موضحة أن كثرة عدد الحصص في اليوم وطول ساعات الحصة الدراسية لا تعني تعليماً أفضل، بقدر ما أنها تضغط على الطالب وتزيد لديه نسبة التذمر والتأفف من المدرسة.
واقترحت أن يتم تقليل ساعات الدوام المدرسي إلى 6 ساعات فقط، بحيث يعود المعلمون والمعلمات والطلبة إلى منازلهم باكراً، وستكون هناك بالفعل تغييرات جذرية في التحصيل الدراسي والعلاقات الاجتماعية في العائلة.
وعبر ولي الامر طاهر الحفيتي، عن استيائه من طول ساعات اليوم الدراسي لطلبة الحلقة الأولى، لافتاً إلى أن الطالب يعود إلى المنزل متعباً محملاً بواجبات وأنشطة تزيد من معاناة الطالب والأهل، حيث يصعب بعد هذه الساعات الطويلة من الدراسة أن ينجز واجباته ويستذكر دروسه، فلا يصبح لديه وقت للراحة واللعب، الأمر الذي ينعكس سلباً على تحصيله الدراسي لباقي أيام الأسبوع. وطالب بتطبيق نظام إنجاز الواجبات المدرسية والأنشطة المطلوبة خلال فترة الدراسة لكي يتسنى للطالب أن يستجمع قواه وطاقته باقي اليوم ويستطيع استذكار الدروس الجديدة، فلا يشعر هنا الطالب بالتعب والإرهاق ويشعر بالحماس لاستقبال يومه الدراسي.
بدوره، أكد خميس الكندي (ولي أمر) أن لديه أطفالاً في الحلقة الأولى وأنهم يعودون من مدرستهم الحكومية مرهقين لطول ساعات الدوام المدرسي، مقترحاً أن تنجز الواجبات المدرسية والأنشطة خلال أوقات الدوام المدرسي.
من جهته، انتقد عبدالله الشميلي (ولي أمر) زيادة الفترة الزمنية لليوم الدراسي، والتي تشكل مصدر قلق للأسر، وينعكس سلباً على الأوضاع الصحية للطلبة، في ظل استيقاظهم الباكر يومياً قبل موعد الحافلة بفترة زمنية كافية، مؤكداً أن تلك المنظومة تسبب الإرهاق والضرر النفسي للأسرة والطفل، حيث يعود الطفل للمنزل محملاً بواجباته المنزلية بعد طول اليوم الدراسي والجلوس على المقاعد المدرسية.
وأكدت عايدة مطر السويدي (ولية أمر)، أن طول ساعات اليوم الدراسي يسهم في غياب الحياة الاجتماعية والأسرية، ويؤثر سلباً على التركيز وتوصيل المعلومة للطالب، وقلة نشاط ذهنه حتى يستوعب ما يعطى له ويشارك بفاعلية ونشاط أثناء الحصة، بالإضافة لوضع الأسرة والطفل تحت ضغط المراجعات وحل الواجبات المنزلية عند العودة متأخراً.
تأثير على التحصيل
من جهتها، أكدت حنان أبو حمام مديرة مدرسة الأهلية الخيرية للبنات في عجمان، أن قضاء الطالب لساعات تتعدى نصف يومه يقظاً يؤثر سلباً على تحصيله العلمي، وليس ذلك فقط، بل إنه ينهكه جسدياً ونفسياً، ويحول مشاعره الإيجابية تجاه مدرسته ومعلميه إلى مشاعر سلبية يسودها النفور والنبذ، مشيرة إلى أن الأدلة كثيرة والآراء جامعة على سوء تأثير طول ساعات الدوام المدرسي على الطالب، فلمَ لا نأتي بالبدائل والحلول الآن؟
وأضافت أن إدارة المدرسة اتخذت عدداً من الإجراءات في إطار محاولة تخفيف العبء عن الطلبة في يومهم الدراسي الطويل، وذلك بإضافة العديد من الأنشطة التعليمية والابتعاد عن أسلوب التلقين والتلقي طوال الوقت، كما تم تخفيف حُزمة الواجبات المنزلية، وأوصينا بتقليص المدة الزمنية للحصة الواحدة بما يكفي عرض المحتوى وتطبيق الأنشطة الممتعة، ومحاولة دمج التعليم الإلكتروني بشكل أكبر في العملية التعليمية لما في ذلك من منفعة كبيرة، ليس فقط لاستئناف عملية التعليم بأريحية أوسع وبمتابعة أولياء الأمور، ولكن لتمكين الطلاب وتأهيلهم لاستخدام الوسائط التفاعلية الإلكترونية بما يخدم مصلحتهم المستقبلية.
بدائل
وفي السياق ذاته، تقول المعلمة عائشة البيرق من مدرسة الشهداء بكلباء: إن تخفيف زمن الحصص يعد مطلباً من الكثير، لكن من الصعب التغيير، بيد أنه هناك بدائل كثيرة، فبعض إدارات المدارس بدأت توجه المعلمين بضرورة تخفيف الواجبات أو تخصيص الجزء الأخير من الحصة لأداء الواجبات والمهام أو اكتساب مهارات، لافتة إلى أنه لا بد من توظيف التكنولوجيا لإكساب الطلبة مهارات تمكنهم من استخدامها بصورة جيدة، كما أن تواجد الطلبة لساعات طويلة داخل الحرم المدرسي تمكنهم من أن يكونوا أقرب إلى المعلمين والأصدقاء، ما يساعد في غرس القيم النبيلة فيهم وتربيتهم قبل تعليمهم وإشعارهم بالثقة بأنفسهم، مبينة أنه يجب على أولياء الأمور إدارة الوقت لأبنائهم وعدم تركهم يسهرون ليلاً حتى لا يصابوا باضطرابات النوم.
تحديات
وتخالفهم الرأي مها بركة، مديرة مدرسة الشعلة الخاصة في عجمان، وتقول إن طول الرحلة المدرسية لا يؤثر على تحصيل الطلبة ولا يلزم تخصيص وقت لحل الواجبات داخل الصفوف، فبالنسبة للمدارس الوزارية، مدة الدوام مناسبة جداً وتنتهي ظهراً، وبناءً عليه فإن الطلبة يصلون إلى منازلهم في وقت مناسب حتى وإن كانت رحلة الحافلة تستغرق وقتاً طويلاً إلى حد ما، كما أن تعديل إجازة نهاية الأسبوع أتاح الوقت الكافي للطلاب لاستكمال واجباتهم خلالها، ولذلك نحرص على تخفيف الواجبات خلال أيام الأسبوع مع التركيز عليها في عطلة نهاية الأسبوع.
تأثير سلبي
وأكد الأستاذ الدكتور أحمد العموش، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة، أن إطالة ساعات الدوام المدرسي يؤثر سلباً في التحصيل العلمي للطلبة، كما أنه يؤثر على الحياة الأسرية والاجتماعية، سواء للطلبة أو الكادر الإداري والتدريسي، لأنها تغيبهم عن منازلهم لفترة طويلة، حيث تحرم الطلبة من الاستمتاع بالأمور الحياتية والأنشطة، وتحرم الكوادر التعليمية من استكمال أدوارهم تجاه أبنائهم وعوائلهم.
ولفت إلى أن ذلك ينعكس سلباً على الأوضاع الصحية للطلبة، نظراً لاستيقاظهم المبكر بشكل يومي، وعودتهم في وقت متأخر، كما أنه سيكون عرضة للتعرض للأمراض النفسية، وذلك لأن طول اليوم الدراسي يزيد من الضغوط لديه، ويقلل من شعوره ودافعيته نحو التعليم والتعلم، مما يؤثر سلباً على تحصيله الدراسي، لأن معظم وقته ينصب على حضور الحصص ورحلتي الذهاب والإياب في الحافلة المدرسية.
مسؤوليات
أكدت المعلمة شيخة أحمد، أن طول اليوم الدراسي يؤثر على الكادر التعليمي مثل أولياء أمور الطلبة وخصوصاً المعلمات، حيث تقع عليهن مسؤوليات تجاه الزوج والأبناء لدورهن كأمهات لا يستطعن أداء مهامهن في ما يتبقى لهن من اليوم، ولذلك يمثل طول ساعات اليوم الدراسي مصدراً كبيراً في الخلافات المنزلية، نتيجة لعدم القدرة على تجهيز المنزل وإعداد الوجبات الغذائية، حيث يكون الأبناء في أشد الحاجة لتناول الطعام، بالإضافة لإعداد المواد التعليمية التي سيتم تقديمها في اليوم التالي، وصولاً إلى الجلوس بجانب الأبناء للمذاكرة وإنجاز الواجبات المنزلية.
علي الحوسني: قانون بألا تزيد الرحلة على ساعة وتوجيه بتخفيف الواجبات
أكد علي الحوسني مدير هيئة الشارقة للتعليم الخاص، أن الهيئة لديها قانون ينظم عملية رحلة الطالب من وإلى المدرسة على ألا تزيد مدتها على ساعة، كما أنه تم التعميم على إدارات المدارس بذلك الأمر، مشيراً إلى أن نظام (أولادكم في مأمن)، عمم على إدارات المدارس، وهو نظام يتتبع رحلة الحافلة المدرسية منذ لحظة صعود الطالب إليها حتى وصوله إلى منزله، والذي من خلاله يستطيع ولي الأمر أن يعرف خط سير الرحلة ويتتبعها، مؤكداً أنه لا شكاوى وردت إلى الهيئة تفيد بتأخر الرحلة المدرسية في المدارس الخاصة بالشارقة، وفي حال وجود شكاوى سيتم توجيه إدارات المدارس بضرورة زيادة عدد الحافلات المدرسية، لافتاً إلى أن الهيئة – دائماً – ما توجه الإدارات المدرسية الخاصة في الشارقة بضرورة التعامل مع طول اليوم الدراسي بذكاء وكفاءة وفاعلية، واستغلال هذه الفترة بالطريقة التي تثري تعلم الطلبة من جهة، وتراعي تلبية احتياجاتهم الجسدية والنفسية من جهة أخرى، من خلال برامج تعليمية وترفيهية وتدريبية تُنمي وتصقل مهاراتهم العقلية والعملية والحياتية.
وقال إن الهيئة وجهت إدارات المدارس الخاصة بضرورة التخفيف عن كواهل الطلبة وذويهم في ما يتعلق بالواجبات ومتطلبات المواد الدراسية المختلفة، وأن تكون ضمن حدود المعقول الذي يحقق الأهداف المرجوة من المادة الدراسية، وأن تكون من إنتاج وإبداع الطلبة أنفسهم، حتى تحقق ما صممت لأجله، إضافة إلى مراعاة طول الرحلة المدرسية للطالب من المنزل وصولاً إلى المدرسة، لافتاً إلى أن هناك تعاوناً كبيراً من إدارات المدارس الخاصة في الشارقة مع الهيئة، مشيداً بالجهود التي تبذلها الإدارات المدرسية في سبيل دعم العملية التعليمية وتنفيذ الخطط التي تضعها الهيئة.