محليمنوعات

«عشوائية» الاستشارات الأسرية تهدم بيوتاً ولا تصلح أسراً

تحقيق: إيمان عبدالله آل علي

تشهد المجتمعات تغيرات كثيرة، وتحولات أثرت بشكل مباشر في حياتنا، وطال ذلك الاستشارات الأسرية، والتي كانت تقدم من خلال خبراء ومختصين في هذا المجال، وأشخاص لديهم المعرفة العلمية والعملية، وخبرات من الميدان صقلت مهاراتهم، لنجد في الفترة الأخيرة، بعضاً من فئات المجتمع تزاحم أصحاب الخبرة، فتقدم استشارات أسرية وهي لا تملك خبرة حقيقية، بل انتهت من الحصول على شهادة تدريبية عبر دورة مدتها ثلاثة أيام أو شهر، ليقدم استشارات تضر أصحابها ولا تفيدهم.

فهل نواجه عشوائية في الاستشارات بشكل عام وتحديداً الاسرية؟، وهل صحيح أنه بمجرد حصول الشخص على شهادة بعد إتمام دورة، يكون قادراً على تقديم استشارات ؟

متى نستطيع أن نلقب الشخص مستشاراً ؟، وما أضرار عشوائية الاستشارات على الأسر ؟ وماذا عن الاستشارات العبثية على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أشخاص لقبوا أنفسهم بمستشارين ؟ وما المقومات والمهارات التي لابد أن يمتلكها المستشار ؟

أسئلة متنوعة طرحناها على المختصين في هذا المجال

1

اعتمد مجلس الوزراء في الفترة الأخيرة، معايير موحدة على مستوى الدولة لترخيص مهن الاستشارات الأسرية وتشجيعها، والهدف رفع الجودة، وزيادة الكفاءة، ومساعدة الأسر عبر تقديم أفضل المختصين لتقديم المشورة والنصح في كافة الشؤون الأسرية. يتضمن معايير وإجراءات لترخيص مزاولي مهنة الاستشارات الأسرية، ويشكل القرار مرجعية لجميع الجهات في تقييم الوثائق والمؤهلات والخبرات ضمن نطاق واختصاص كل منها، ويضمن تطبيق نفس معايير الترخيص الموحدة على مستوى الدولة، وضبط وتنظيم عملية ترخيص مزاولي مهنة الاستشارات الأسرية، وترخيص مستشارين أسريين على قدر عالٍ من الكفاءة ما يؤثر بشكل إيجابي في جودة حياة الأفراد والمجتمع، وضمان تقديم خدمات ذات مستوى مهني عالٍ.

هدم الأسر

أكد ضرار بالهول عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن هناك عشوائية في الاستشارات وخاصة فيما يتعلق بالاستشارات الأسرية ‏بشكل خاص، ‏بحيث نرى أن هناك تصدراً للاستشارات والفتوى بغير حق، ‏والكثير منهم يغفل أهمية التخصص في ذلك المجال، كونه أهمية كبيرة وخاصة ما يتعلق بالأسر والمشكلات التي تتعلق بها، ‏وأي خطأ أو مشورة غير صحيحة ستؤدي بالفعل إلى هدم تلك الأسر، كون تلك الأسرة هي صمام الأمان للمجتمع ولا تنفصل عن استقراره.

وقال: حصول الشخص على شهادة بعد إتمام دورة، لن يجعله قادراً على تقديم استشارات، فالأمر أكبر من ذلك وليس بمجرد الحصول على شهادة من دورة ‏يكون الشخص قادراً على تقديم الاستشارات، لأن تلك الاستشارات الأسرية قائمة على الخبرات ‏ ‏التي ‏يؤصلها العلم الأسري التخصصي القائم على دراسات وبحوث واستشراف العلاقات الأسرية التي فيها من الوعي والإدراك ما لا يمكن لمبتدئ أن يحيط به.

وأضاف: ‏يمكننا القول إن هذا الشخص مستشار ‏إذا ما توفرت فيه أمور مهمة، الأمر الأول العلم التخصصي في المجال، وثانيا الخبرات العملية المبنية على أسس بحثية، وأخيراً إذا توفرت لديه الحكمة والعقل الراجح، لأنه بتلك الخصائص يمكن للشخص الوصول إلى نتائج إيجابية فيما هو عام، والأسري بشكل خاص.

أثر سلبي

وعن اضرار عشوائية الاستشارات على الأسر، قال: مثل هذه الاستشارات العشوائية غير مبنية على التأصيل‏ والبحث والخبرات العلمية والعملية وتصدر ممن ليس لديهم الخبرة وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي سيكون أثره سلبياً على الأسرة والمجتمع، وتلك الاستشارات لم تكن موجهة بشكلها الصحيح لحل المشكلة الأسرية أو تلك الاستشارة العامة التي يراد بها الوصول إلى بر الأمان، لذلك سنرى إطلاق تلك الاستشارات بناء على الرغبات والمصالح ولن تكون مبنية على أسس من الحكمة و الإيجابية والعلم، ولذلك ادعوا إلى تقنين تلك الخبرة عبر عناصر لابد من توفرها في الشخص الذي سيلقب نفسه مستشاراً، وتقييم ذلك الشخص عبر لجنة خاصة من جهة رسمية مسؤولة عن ذلك، وتحديد المعايير والقيم الأخلاقية التي من خلالها يمكن الوصول إلى نتائج أفضل.

عمليات الاحتيال

أكد المحامي د.محمد بن حماد، أن الفضاء الإلكتروني قد أسهم في انتشار بعض عمليات الاحتيال، والتي تبدأ بالتسويق الإلكتروني لمنتجات ومروراً بأشكال أخرى وصور عديدة للاحتيال، وصلت إلى انتحال الصفات أو الشخصيات أو الألقاب كون المستخدم إن كان جانياً أم ضحية، فهو يتعامل في واقع افتراضي يصعب تحديد هوية مستخدميه أو مدى صحة ما يظهرونه للآخرين، إلا أننا نتناول هنا على وجه التحديد هؤلاء الذين ينتشرون وينشطون على منصات التواصل الاجتماعي، فتارة تجد من يعلن عن تقديم استشارات تجارية واقتصادية، ومرة نجد من يعلن عن تقديم استشارات تربوية، أو استشارات أسرية وما أكثرها.

وحقيقة الأمر – والكلام للمحامي ابن حماد- أنه قبل انتشار منصات التواصل الاجتماعي، كان الوصول أو التواصل مع مقدمي الخدمات المهنية من خلال تزكية وترشيح المعارف والمقربين، وهو ما كان يمنح الطمأنينة لمن يقصد ذلك الاستشاري أو ذلك الفني بحسب تخصصه، كونه معلوماً لدى الكثيرين وقام ببناء هويته على مدار سنوات، ومن خلال السُمعة الطيبة، أما الوقت الراهن فنجد فوضى عبثية ممن هم مجهولة مؤهلاتهم أو خبراتهم أو سيرتهم يعلنون عن تقديم استشارات أسرية أو عائلية على شبكات التواصل الاجتماعي، بل إن الاستشارة ذاتها باتت تُقدم على مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال مكالمة مرئية، ومخاطر ذلك هو كون أسرار البيوت والعائلات قد تكون مباحة لمجهولين أو غير مؤهلين نتيجة العشوائية في منح الرأي أو عدم قدرة من يطلق على نفسه لقب مستشار منح الاستشارة أو الرأي بعيداً عن عواطفه او انحيازه أو تجربته الشخصية.

مقومات ومؤهلات

وأضاف: حين الحديث عن مقومات أو مؤهلات القائم بمنح استشارات فإن من أبجديات ممارسة ذلك العمل، وقبل النظر لماهية مؤهلاته أو قدراته ينبغي أن يكون قد أدى قَسٌم ويمين أمام الجهة المختصة كونه يتعامل مع أسرار حياتية تخص مغمورين أو مشهورين وقد يكون من بينها انحرافات وقد يكون من بينها أعمالاً خيرية، وكل ذلك من الأسرار المصونة والتي كفل القانون والدستور الحفاظ عليها، فلا ينبغي طرحها إلا لأمين عليها، وقد تكون الاستشارة تحريضية أو إفسادية تزين لامرأة كراهية زوجها أو تزين لرجل كراهة زوجته أو غير ذلك، وتلك الآراء التخريبية قد تجد سبيلها بنجاح كون طالب الاستشارة في أضعف أوقات حياته أو يمر بظروف عصيبة.

وعن المقومات أو المؤهلات، قال: ترك أمر منح الترخيص بذلك لسلطة أو جهة مختصة بعينها والتي يكون لها أن تضع المعايير والاختبارات والاشتراطات والمتطلبات العلمية لطالب الترخيص، ولا يكون الأمر متوقفاً على اجتياز دورة، وإنما يتعين وجود دراسة أكاديمية بخلاف كل ما سبق، وأخيراً نوجه النصيحة للجميع بعدم الانجراف خلف ما هو غير معلوم من المعلنين عن خدمات قد تمس حياتهم أو كيان أسرتهم.

لقب المستشار

أكدت المحامية إيمان سبت أن التوجيه والإرشاد الأسري يعتبر باباً لمساعدة أفراد الأسرة على فهم الحياة الأسرية من جميع جوانبها، والهدف من هذه العملية السعي للاستقرار والترابط بين الأسرة، لذلك يتعين أن يتميز هذا الاستشاري بمميزات وخبرات تؤهله للقيام بدوره كمستشار أسري ولا ننسى أن أساس العمل الناجح الثقافة والثقة بالنفس للوصول إلى أفضل النتائج الايجابية المطلوبة في هذا المجال.

وقالت: الاستشارة عبارة عن جلسة أو عدة جلسات تجمع الاستشاري وطالب الاستشارة هدفها الإرشاد والتوجيه ومساعدة طالب الاستشارة الوصول لحل المشكلة التي يواجهها، ويجب أن تقدم من شخص له دراية ومعرفة عالية وكافية في مجاله.

وأضافت: يجب أن يتحلى المستشار الأسري بمهارات وملكة نظرية وتطبيقية وعلمية متخصصة، ويكون على دراية كامله ومتمكن من مجموعة من العلوم وخاصة علم الاجتماع الأسري وما به من مشاكل أسرية خاصة بالأزواج والأبناء والأقارب، كما يتعين عليه متابعة متغيرات الحياة كافة وخاصة الاجتماعية والاقتصادية، والأخذ بعين الاعتبار متطلبات المجتمع المحيط به وعاداته وتقاليده، وأن يكون ذات ثقافة شاملة ومطلع على جميع ما يخص مجاله من تطورات.

ومن الضروري أن يكون للمستشار الأسري فراسة في كيفيه طرح المعلومة المطلوبة حسب الموضوع المطروح، وصياغة نوعية الأسئلة للوصول إلى صميم موضوع المشكلة المطروحة والتمكن من إعطاء الاستشارة الصحيحة بها، ونرى أحياناً أشخاصاً يطرحون استشارات خاطئة قياساً على موضوع قد مر على مسمعهم من آخرين أو مشكله كانت تخصهم شخصياً، وهذا ما يسمى عشوائية الاستشارات.

أشخاص غير مؤهلين

وأكد المحامي علي مصبح أن ما تتم دراسته أثناء الجامعة يعتبر نقطة في بحر من التطبيق العملي الواقعي للقانون من حيث العلم والاستشارة والإجراءات وتطبيق نصوص القانون وتفسيرها، والملاحظ أن البعض منهم منذ تخرجه من اليوم الأول يطلق على نفسه مستشاراً قانونياً ويلبس هذا الثوب الواسع عليه مجيباً على جميع الاستشارات القانونية دون دراية ومعرفه ودراسة، غير مدرك أن الاستشارة القانونية تحدد مصير الأشخاص في قرارتهم وربما استشارة أسرية تدمر أسرة في حين أن الحلول لها أبسط من تدميرها.

وقال: إن المحامي أو المستشار القانوني يراجع ويدرس ملفات القضية عدة مرات ويقرأ الكتب والمراجع القانونية حتى يصل إلى دفع قانوني أو مخرج للقضية تساعد موكليه في قضيتهم، وقد يستغرق الملف أياماً وأسابيع تكون فيه الدراسة عامة وشاملة حتى نصل بها إلى بر الأمان، فالمسألة برمتها ليست الشهادة هي التي تمنحك العلم والمعرفة بل إن الواقع العملي في المحاكم والقضايا والعقود ومع مرور الزمن والخبرة الكافية يصبح الشخص مؤهلاً للرد على الاستشارات القانونية.

وأضاف: لا ننسى مواقع التواصل الاجتماعي والتي فتحت مجالاً واسعاً لكل شخص كي ينصب نفسه محامياً أو مستشاراً قانونياً وهو في الأساس ليس بمحام بل قد يكون طالباً في الدراسة الجامعية ويرد على استشارات الآخرين بطريقه خاطئة وغير صحيحة، وحذرنا كثيراً من عدم أخذ الاستشارة القانونية من أشخاص غير مؤهلين أو غير معروفين من الأساس.

وعلى ما تقدم يجب الحذر من استشارة من لا يملك المعرفة والخبرة والممارسة العملية للأمور القانونية،، لأن من يطلق عليه لقب مستشار قانوني يفترض فيه أنه أخذ الخبرة العملية لسنوات عدة ومتمرس في شأن التعامل مع الاستشارات التي يختص بها، وتكون بناء على دراسة وخبرة.

والحذر من الانجراف لكل من سمى نفسه مستشاراً قانونياً وهو ليس أهلا لها، لأنها تحدد مصير القضايا وهي أولى مراحل بدء الإجراء القانوني لأي ملف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى