اليوم الدراسي.. بين مطرقة الأداء الأكاديمي وسندان الحياة الشخصية
تقليص عدد ساعاته يحقق نواتج تعلم أفضل
تحقيق: شيخة النقبي
دائماً ما تحرص الأسر وأولياء الأمور، على ضرورة إيقاظ أبنائهم في الموعد المحدد للذهاب للمدرسة، حرصاً منهم على حضور اليوم الدراسي كاملاً، من بدايته، حيث يشجعونهم ويدعوهم للنوم مبكراً للاستيقاظ في الموعد المحدد، ولكن طول اليوم الدراسي في بعض المدارس يشكّل هاجساً كبيراً لدى العديد من الطلاب وأولياء الأمور، حيث يستيقظ الطلاب عند السادسة صباحاً لينتهي دوامهم الدرسي عند الرابعة عصراً، ما يصيبهم بالإرهاق والتعب، ويستنزف كامل طاقتهم، فضلاً عمّا ينتظرهم من فروض منزلية لا بد من أدائها وتحضيرات لا بد من القيام بها، ما يهدد رغبتهم في الإقبال على المدارس. «الخليج» تلقت شكاوى لأولياء أمور وطلاب مدارس أكدوا فيها أن الدوام المدرسي الطويل يرهق الطلاب ويؤثر في تركيزهم، ويقلل من استيعابهم للمحتوى الذي يتلقونه، مطالبين بإلزام المدارس بميعاد محدد ينتهي فيه دوام الطلاب، أو إلزام المدارس بتقليص دقائق من كل حصة دراسية حتى ينتهي اليوم الدراسي في وقت أقل.
طالب أولياء أمور وتربويون بإعادة النظر في ساعات اليوم الدراسي، أو العمل على الاستغلال الأمثل لهذا الوقت الدراسي الطويل بأن ينجز الطالب واجباته في مدرسته بإشراف معلميه ليتسنى للصغار الجلوس مع أسرهم عند عودتهم.
ورأى بعض الطلاب أن رحلة الحافلة المدرسية من وإلى المدرسة من الممكن أن تؤثر في اليوم الدراسي الخاص بالطالب، وبالتالي على مستواه التحصيلي في نهاية العام، كما أن قضاء الطالب لساعات تتعدى نصف يومه يقظاً يؤثر سلباً في تحصيله العلمي، وليس ذلك فقط، بل إنه ينهكه جسدياً ونفسياً، ويحوّل مشاعره الإيجابية تجاه مدرسته ومعلميه إلى مشاعر سلبية يسودها النفور.
دروس خصوصية
قال مؤيد علي، ولي أمر: «يدرس أبنائي منهاجاً أجنبياً في إحدى مدارس أبوظبي والمشكلة تكمن في أنه يكون لديهم دروس خصوصية في مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية؛ نظراً لأن هذه المواد لا يتم تدرسيها في المدرسة التي يرتادها أبنائي بشكل مكثف، حيث إنني أحرص بعد انتهاء اليوم الدراسي في الثانية والنصف ظهراً، أن يدرسوا المادتين في وقت إضافي لمدة ثلاثة أيام أسبوعياً في المنزل».
الحافلات المدرسية
ويضيف علي مصطفى، ولي أمر: «يستيقظ أبنائي في السادسة صباحاً وننطلق من المنزل متجهين إلى المدرسة في الساعة السادسة والنصف، أما موعد الانصراف في الساعة الثانية والنصف مساءً، وإن كنت مشتركاً في خدمة الحافلات المدرسية سيعود أبنائي للمنزل بعد ذلك، ودائماً حين يعودون يكونون بحالة تعب، راغبين في النوم، في الوقت الذي أسعى ووالدتهم للبدء معهم في أداء واجباتهم المدرسية حتى يناموا مبكراً ويستيقظوا مبكراً في اليوم التالي، وأرى بأنه يجب إعادة النظر بعدد ساعات اليوم الدراسي، ويجب تقليل الساعات لتتناسب مع الطلاب».
وقالت علياء سالم ولية أمر: «ابني ملتحق بأكاديمية لكرة القدم، فبعد يومه الدراسي يذهب للعب ثلاثة أيام أسبوعياً، ومن المؤسف أن طول اليوم الدراسي والالتزام بأداء المهام الدراسية في المنزل يعيق ذهابه إلى النادي في كثير من الأحيان، حيث يعود من المدرسة متعباً راغباً في أخذ قسط من الراحة».
إنهاك وتعب
وطالبت ولية الأمر مريم الشامسي أن تحل الواجبات المدرسية ومراجعة الامتحانات خلال الحصص المدرسية، حيث إن الطلاب يصلون إلى المنزل بعد الانتهاء من الدوام المدرسي منهكين ومتعبين، ولا توجد لديهم طاقة لفتح الحقيبة المدرسية ومتابعة الدروس، وبما أن اليوم الدراسي طويل، بالتالي يوجد الوقت لحل الواجبات ومراجعة الدروس للامتحانات.
استيعاب المناهج
من جانبه قال الطالب محمد موسى إن طول ساعات اليوم الدراسي يصعب عليه استيعاب المناهج وخاصة في الحصص الأخيرة، نظراً لأن الدراسة يومياً نحو 7 ساعات، وتعتبر كثيرة جداً، وقد يصل الأمر إلى أنه يستمع فقط للدروس دون التركيز والفهم، وأشار إلى أنه يلجأ للدراسة والمراجعة يومياً في المنزل، الأمر الذي يؤرقه نفسياً حيث لا يجد وقتاً للترفيه.
حياة اجتماعية
ووافقه الرأي الطالب علي الحمادي حيث قال: «نظراً لطول اليوم الدراسي لا توجد لديّ حياة اجتماعية، ولا أستطيع الجلوس مع عائلتي يومياً، حيث ينتهي الدوام المدرسي قرب صلاة العصر، أستريح قليلاً وبعدها ابدأ بحل الواجبات والمذاكرة إن كان لديّ امتحان، وبعدها اذهب للنوم، حيث إنني أنام مبكراً لأنني أستيقظ في الساعة السادسة صباحاً، وأطالب بالنظر في ساعات الدوام المدرسي والمحاولة في تقليلها».
وقال الطالب محمد عبد الجليل: «أرى أن أحد مسببات طول اليوم الدراسي هو خدمة النقل المدرسي، حيث يبلغ عدد الطلاب في الحافلة الواحدة 45 طالباً، ما يعني مرورنا على 45 منزلاً، ما يؤدي إلى مكوثنا في الحافلة وقتاً أطول، نحو نصف ساعة إلى ساعة، وأرى أنه يجب زيادة عدد الحافلات أو تقليل عدد الطلاب في الحافلة الواحدة».
وقال عمر عبد العزيز مدير بإحدى المدارس في أبوظبي: «المدة الزمنية للدوام الحالي في المدارس يعتبر طويلاً، حيث يبدأ من الساعة 7 صباحاً وحتى الساعة الثانية والربع مساءً، وتتضمن 8 حصص دراسية، وأرى بأن طول اليوم الدراسي يؤثر في الطلاب تأثيراً سلبياً، وخاصة للطلاب الأصغر سناً، فمثلاً طلاب الحلقة الثانية جلوسهم في قاعة مغلقة ولوقت طويل يؤثر في سلوكهم، ويجعلهم يرغبون في التحرك ولفت الانتباه بارتكاب بعض التصرفات الصبيانية حتى لا يشعروا بالملل، أما الأكبر سناً من الحلقة الثالثة فهم بعمر أنضج ويستطيعون قضاء الوقت من دون التسبب بمشكلات أثناء الحصة».
وتابع: «تمتلك فنلندا أحد أفضل الأنظمة التعليمية في العالم ويتمتع الطلبة بوقت دراسي قصير نسبياً، ويكون حسب المرحلة الدراسية ومتوسط ساعات الدراسة من 4 – 5 ساعات للابتدائي ومن 5 – 6 ساعات للمرحلة الإعدادية والثانوية ويهدف النظام التعليمي إلى خلق توازن بين الحياة الأكاديمية والحياة الشخصية، كما أن جميع حصص الأنشطة تقام بعد انتهاء المدرسة، وتكون في المدرسة نفسها».
الأداء الأكاديمي
وأضاف أنس عادل مدير إحدى المدارس في أبوظبي: «بشكل عام، يتعين أن يتم تنظيم اليوم الدراسي بحيث يتم مراعاة توازن الطلاب بين الأداء الأكاديمي والحياة الشخصية والصحة العامة، بحيث يراعي الصحة العقلية والراحة النفسية والابتعاد عن الضغط ويراعي الحياة الاجتماعية ولقاء الأسرة والأصدقاء، ولكن يجب أن ننظر إلى سلبيات وإيجابيات طول اليوم الدراسي، فقد يؤدي طول اليوم الدراسي إلى الضغط على الطلبة ويقلل من وقت الراحة والاستجمام ويقلل من الأنشطة الشخصية مثل القراءة والرياضة ويقلل من رفاهيتهم بشكل عام إضافة إلى إرهاقهم، وبالتالي قلة التركيز».
وتابع:«لكن يرى البعض أن هناك إيجابيات كثيرة لليوم الدراسي الطويل منها، إكمال كافة الواجبات والمهام الدراسية في المدرسة وتوفير فرص التعلم المكثف».تأثيرات سلبية
قالت الأخصائية الاجتماعية سلمى علي: «طول ساعات الدوام المدرسي له تأثيرات سلبية في استيعاب الطلاب وتحصيلهم الدراسي، فشعورهم بالتعب والإرهاق يقلل من قدرتهم على الفهم، كما أنه يؤدي إلى اضطراب في مواعيد النوم والاستيقاظ، وأن تقليص اليوم الدراسي ساعة أو نصف ساعة، يؤثر إيجاباً في الطلاب وتنظيم أوقاتهم بين الاحتياجات الاجتماعية وأداء الواجبات المدرسية وأخذ قسط كافٍ من النوم، كما يجب أن تتضمن الحصص الدراسية للطلاب نشاطات مختلفة تنشط أذهانهم وتكسر روتين التلقي والتدريس، بما يدعم تحقيق الأهداف التعليمية، وطول اليوم الدراسي للطلاب صغار السنّ يحرمهم من ممارسة طفولتهم ويمنعهم من حقوقهم كأطفال، كما يؤثر في احتياجاهم للتواصل مع مختلف أفراد الأسرة وقضاء أوقات معهم».
تجربة كوريا
قال أنس عادل مدير إحدى المدارس في أبوظبي:«تمتلك كوريا نظاماً تعليمياً متقدماً وتعتمد اليوم الدراسي الطويل، مؤكدة على الضبط العالي للطلبة ويكون اليوم الدراسي طويلاً نسبياً ومدته من 5 إلى 6 ساعات للحلقة الأولى، و7 إلى 8 ساعات للحلقة الثانية والثالثة، ويقوم الطلبة بأداء كافة واجباتهم ومهامهم في المدرسة وقد يقومون بإكمال بعضها الآخر في المنزل، لكن يمكن القول إن طول أو قصر اليوم الدراسي يجب أن يعتمد أولاً على طبيعة وثقافة المجتمع ويراعي خصوصيته وليس بالضرورة أن يكون طول اليوم أو قصره معياراً للنجاح، ويفضل معظم الطلبة اليوم الدراسي القصير لكن يمكن أن يعاد النظر بالمواد والمناهج الدراسية لتحقق توازناً أكبر لليوم الدراسي بما يحقق نواتج تعلم أفضل ويراعى التوازن بين الحياة الشخصية والأكاديمية للطلبة».