وسط طلب غير مبشر في الصين
عشاق القهوة على موعد مع أسعار قياسية غير مسبوقة
إعداد: هشام مدخنة
ارتفعت أسعار كل من حبوب البن «أرابيكا» الفاخرة، التي تفضلها سلاسل القهوة مثل «ستاربكس»، وأصناف «الروبوستا» الأكثر ملاءمة للميزانية والمعروفة بنكهتها القوية أيضاً، إلى أعلى مستوى لها منذ سبعينيات القرن العشرين، وذلك بفضل الاضطرابات الرئيسية المستمرة في الإمدادات.
وفي تقريرها، ذكرت «بلومبيرغ» أنه على طول سلسلة التوريد، من فيتنام إلى البرازيل، رفع تجار البن الأسعار، وألغوا الخصومات لحماية هوامش أرباحهم، وسط تحذير الكثيرين عن مزيد من الزيادات في المستقبل.
واستجابة للحاصل، زادت شركة «جيه إم سماكر» التي تهيمن علاماتها التجارية مثل «فولغرز»، و«كافيه باستيللو» على سوق القهوة المنزلية في الولايات المتحدة، أسعارها هذا الصيف. وأنهت سلسلة المطاعم «بريت إيه مانجر» اشتراكها في «يو كيه كوفي» الذي كان يمنح العملاء ما يصل إلى خمسة مشروبات يومياً. كما رفعت شركة «فارايتي كوفي روسترز» في نيويورك أسعار البيع بالتجزئة للبن مطلع العام بنحو 5% في أول زيادة لها منذ خمس سنوات، ومن المقرر أن تتبعها محلات بيع القهوة الأخرى في المدينة.
وقال باتريك غرزيلوسكي، مدير قسم القهوة في سلسلة «فارايتي»: «حاولنا دائماً الابتعاد عن زيادة الأسعار، لكن لم يعد بالإمكان تجنب ذلك بعد الآن».
- الطقس المتطرف
ويُعزى جانب من هذا الارتفاع إلى سوء الأحوال الجوية، حيث أدت موجات الجفاف في فيتنام، إلى إضعاف محصول «بن الروبوستا» للعام الرابع على التوالي، في حين أسهمت العوامل الجوية المتطرفة ذاتها في البرازيل إلى انكماش حجم محصول «أرابيكا»، حيث تنتج الأشجار التالفة حبوباً أصغر حجماً. ونتيجة لذلك، تكاد الفجوة بين أسعار العقود الآجلة للصنفين تكون الأضيق على الإطلاق، ما جعل الشركات تبحث عن أي حبوب أرابيكا ذات جودة أقل بدلاً من صنف روبوستا المعتاد للحفاظ على التكاليف منخفضة.
بدوره، قال مايكل كابوس، نائب رئيس المبيعات والتسويق في شركة «داون إيست كوفي روسترز» الأمريكية: «لم أتوقع أبداً أن يكون السعي وراء مكونات أرخص لمزيج القهوة هو الاستراتيجية الصحيحة. لذا، لم يعد بوسع محلات القهوة سوى رفع أسعارها».
- محدودية الطلب
ولم يكن الطقس المتطرف وحده الذي تسبب بدفع أسعار البن إلى أعلى مستوياتها، فالطلب الناشئ في أسواق مثل الصين لا يبشر بإمدادات عالمية ضخمة. وهناك إقرار متزايد بأن تجار القهوة والمحامص يدفعون للمزارعين أجوراً أقل من مستحقاتهم منذ فترة طويلة، وهو الاتجاه الذي يحاول بعض المشترين عكسه لجعل الصناعة أكثر استدامة.وتحفز الأرباح الأعلى المزارعين إلى الاستمرار في زراعة القهوة بدلاً من المحاصيل الأخرى، كما تسمح لهم بإعادة الاستثمار في أراضيهم وجعلها أكثر حيوية في مواجهة الأمراض ومخاطر المناخ. وإذا لم ترتفع أسعار القهوة، فلن يكون هناك أي سبب يدعو هؤلاء المنتجين إلى الحفاظ على موارد للمستقبل البعيد.
- سوق الكاكاو
وهذا ما حدث في سوق الكاكاو، الذي قفز إلى أسعار غير مسبوقة هذا الربيع مع انخفاض الإنتاج بعد عقود من نقص الاستثمار. وحتى إن بعض تجار السلع الأساسية الذين يعانون ضائقة مالية اضطروا إلى الخروج من مراكزهم في تداولات القهوة، وسط ضغوط من ارتفاع أسعار العقود الآجلة للكاكاو.
وما يزيد الطين بلة، حقيقة مفادها أن محامص القهوة المستوردة إلى أوروبا سيتعين عليها قريباً إثبات أن الحبوب لم تُزرع على أرض أزيلت منها الغابات مؤخراً. مع العلم أن قليلاً من البلدان مستعدة تماماً للامتثال لمتطلبات لائحة إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن الإمدادات ستصبح محدودة أكثر.
وقال بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في كلية كولومبيا للأعمال: «عندما يتعلق الأمر بارتفاع أسعار القهوة، فلكل شخص حد معين، وبمعدلات اليوم، قد يبدأ المتسوقون في استبدال مشروبات الإسبريسو الفاخرة المصنوعة من الحليب المبخر بالقهوة المقطرة لخفض حاجز السعر إلى نحو 3 دولارات لكل كوب».
- تثبيت السعر
في غضون ذلك، تمكنت بعض شركات القهوة التي حصلت على حبوب البن قبل الارتفاع الأخير من تجنب زيادات في أسعار منتجاتها. على غرار «ستاربكس»، أكبر سلسلة مقاهي في العالم، التي تثبّت عادةً أسعار القهوة الخضراء لديها لتسعة أو ثمانية عشر شهراً مقدماً، ما يعني أنها تستطيع تحمل أي تقلب في الأسعار لهذه الفترة الزمنية. لكن بعض المتاجر الأصغر حجماً لا تتمتع بنفس القدر من المرونة.
ولفتت هازل دي لوس ريس، المؤسسة المشاركة لشركة «Gumption Coffee» في سيدني ونيويورك، إلى أن السلسلة لم تعد تلتزم بمؤشر أسعار السلع الأساسية للقهوة مثل السابق، وبأنها رفعت الأسعار بنحو 10% العام الماضي، وقد تضطر إلى رفعها مرة أخرى في الأشهر المقبلة. والسبب أن بعض تجار حبوب البن لا يرغبون بتثبيت السعر الذي قد يتغير في أي وقت.
- نفايات نباتية!
وأظهرت بيانات من «إن آي كيو» أن أحجام مبيعات متاجر البقالة من «الإسبريسو» ومُركّزات القهوة قفزت بشكل حاد في الولايات المتحدة، ما يدل على أن المشترين يحاولون صناعة حلويات القهوة المفضلة لديهم في المنزل. وبينما يبحث المستهلكون المهتمون بالأسعار عن صفقات وعروض، حذرت مجموعة صناعة القهوة البرازيلية «ABIC» المتسوقين من العلامات التجارية غير المعروفة للحبوب الرخيصة، والتي تحتوي أحياناً على قشور وأغصان ونفايات نباتية أخرى، في محاولة لخداع الأسر التي تبحث عن أرخص الأسعار. وقد ضبطت وزارة الزراعة في البلاد مؤخراً 19 علامة تجارية مزيفة للقهوة داخل المتاجر.