محلي

موظفون يتردّدون على عيادات نفسية بسبب معاملة رؤسائهم

تحقيق: أمير السني

يواجه كثير من الموظفين معاملة سيئة من المدير العام أو المدير المباشر، ويترك ذلك أثراً نفسياً سيئاً، قد ينعكس على إنتاجيته، ويخلق منه شخصاً غير متزن خلال وجوده داخل المؤسسة، وقد حذر عدد من خبراء الموارد البشرية والأطباء النفسيين من أن هذه النوعية من المديرين السيئين تخلق بيئة غير نظيفة داخل المؤسسات العامة أوالخاصة، ويجب أن يكون اختيار المسؤولين الإداريين خاضعاً لأسس ومعايير تتماشى مع متطلبات المسؤول الناجح، الذي يدفع بالمؤسسة نحو النجاح، ويسعى لتوفير جوّ صحي مع الموظفين.

يؤكد عيسى عبدالله الغرير، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «عيسى الغرير للاستثمار»، أن وظيفة المدير أو المسؤول في المؤسسة، سواء درجته أقل أو أكبر تعتمد في المقام الأول على شخصيته ومدى تأهّله للوظيفة، فالمدير الأحمق نتائج تعامله مع الموظفين ستكون سلبية، ومن ثم سيتأثر الموظفون من دون أدنى شك، وينعكس ذلك على أدائهم. فكلما شعر الموظفون بحسن المعاملة، وبأن المدير قائد مثالي، عملوا بكفاءة، وسيظهر تأثير الأمر في مستوى الإنتاجية.

وأضاف أن إدارة المؤسسات لا تقتصر على أداء الموظفين لأعمالهم، بل هي مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات التي تعمل على القياس والمراقبة والتفاعل مع القوة العاملة. لأن الوضوح والدقة والشمول تضمن التواصل الجيد، وسير عمل الموظف بطريقة صحيحة، وفي حال إهمال الأمر، ستحدث فوضى ضمن بيئة عمل الفريق، وعندما يشعر الموظف أن المدير فاشل وليس متحكماً بزمام الأمور، سيصبح الموظف متمرداً لا يطيع التعليمات، وتصبح عادة معدية داخل بيئة العمل، وتؤدي إلى فقدان روح العمل الجماعي، وتتأثر الإنتاجية وتخرج بنتائج سيئة في ربحية الشركة أو المؤسسة.

التعامل الناجح

وهنالك كثير من العوامل التي تخلق بيئة جيدة للعمل، منها التعامل الناجح مع الموظفين، بمنحهم المزيد من الاستقلالية، وأن يكون هنالك اتصال فعّال ثنائي الاتجاه بين المدير والموظفين، وفتح نوافذ التواصل معهم باستمرار، والاهتمام بآرائهم وأفكارهم، واتباع استراتيجية الباب المفتوح في التعامل معهم، وهي من أنجح الطرق لحل مشكلاتهم بسرعة، فالاستماع المباشر للموظف وفهم المشكلة التي يعانيها ومناقشته بطريقة حلها المناسبة، تقود إلى تعزيز الثقة والرضا الوظيفي، وزيادة خبرة المدير في حل المشكلات.

صفات محددة

ويوضح الدكتور نجيب الشامسي، المدير العام لمؤسسة «المسار للدراسات الاقتصادية» أن أسوأ ما قد تواجهه المؤسسة، وجود مدير متسلّط يقتل طموحات الآخرين ولا يدعمهم؛ وعلى العكس من ذلك كلما كانت علاقة المدير بالموظفين ناجحة، ساعد ذلك على الارتقاء بالمؤسسة، لأن مهارات المدير الحقيقية تجعله يؤدي أدواراً مختلفة دون الشعور بتعب، فالمدير المتسلط لا يريد أن يأخذ رأي أحد من فريق عمله، ولكن الاستماع إلى مشكلات الموظفين والعمل على حلها، ومناقشتهم في إطار العمل لرفع روح العمل في المؤسسة، أهم مميزات العمل الناجح، بجانب الحكمة وصحة الرأي من عوامل نجاح المدير، لأن جميع القرارات التي يصدرها لها علاقة كبيرة بنجاح المؤسسة أو فشلها.

والصبر من أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها المدير، خاصة أنه قد تمر أوقات عصيبة في العمل تحتاج إلى الثبات والصبر، فهناك كثير من المشكلات التي يصعب على المدير حلها بالتوتر والغضب، وهي تحتاج إلى ضبط الأعصاب، ليستطيع اتخاذ قرارات صائبة، والتحكم في النفس في وقت الغضب. وفي حال اللجوء إلى عقاب الموظفين، يكون العقاب بدون شدة، وعدم استخدام الكلام غير اللائق، فالمدير الناجح يكون عادلاً بين الموظفين في الحكم عليهم عند وجود مشكلة أو توزيع المهام أو غيرها، حتى لاتتولد الأحقاد بين الموظفين، ولا يلقي الأوامر بطريقة منفرة، إنما يتبع أسلوباً مهذباً لا ينفّر المرؤوسين، ويأخذ بآرائهم في بعض المواقف، وتدريبهم باستمرار، بمنحهم دورات تدريبية، ترفع من مستواهم.

ووجود المدير وسط الموظفين، يشعرهم بالمسؤولية والعمل بإخلاص لإنجاز المهام الموكلة اليهم، أما المدير المتسلط فيخلق نوعاً من التوتر ويشعر الموظفين بأنهم مراقبون، وهذا بالطبع يؤثر في الإنتاج.

متطلبات إدارية

ويؤكد علي البدواوي، الخبير في الموارد البشرية، أن المدير السيئ أو المتسلط، يفقد المؤسسة البوصلة في تحقيق الخطط والاستراتيجيات والسياسات التي وضعتها بسبب ما يحدثه من بلبلة وتسرع في إنجاز المهام، دون النظر إلى قيمة العمل، والسعي لاكتساب نجاحاته الشخصية. أما المدير الناجح والحكيم، فيحرص على تنفيذ الخطة التي تعمل الشركة استناداً إليها، بحرصه على توفير آليات وإجراءات مخططة سلفاً، وجاهزة للتعامل مع الأخطاء وفق الرؤى والتوقعات الموضوعة.

ويشير إلى أن الإدارة الناجحة داخل المؤسسة تتطلب وجود السلامة المهنية وهي شعور الموظفين بالأمان، وهو يساعد على اكتساب الثقة الدائمة بالسلوك الذي يقوم به، مثل الاعتراف بالخطأ والتصريح عنه علناً لمعالجته، واقتراح أفكار جديدة دون خوف.

وعلى المدير أن يعمل على نشر ثقافة السلامة المهنية وسط موظفيه، وترسيخ الإيمان بها، وهنا تظهر أسس الإدارة الناجحة التي يمتلكها المدير في تأهيل الموظفين للعمل بهذه الثقافة، وهي حال فقدان السلامة المهنية، بسبب ممارسات المدير المتسلط أوالسيّئ، ومعاملته للموظفين معاملة لا تحترم المهنة، فإن الإنتاجية ستتأثر وتقل فرص التقدم والتطور، وسيرتفع عامل الخسارة لدى المؤسسة، وتقل فرص النجاح، ولهذا يسعى المدير الناجح لخلق الشعور بأهمية العمل لدى كل موظف، مهما يكن صغيراً، وأنه يصبّ في مصلحة المؤسسة أياً يكن نوع العمل.

وفي حال استطاع المدير العام أو مديرو الأقسام تحقيق ذلك الشعور، تظهر نتائج المهمة المكلف بها الموظف، ما يولد لديه دافعاً لتسريع إنجاز المهمة للوصول للهدف بدقة وسرعة، وهذا من أهم قواعد الإدارة الناجحة.

ويعتقد المدير السيئ بأنه دائماً على حق ولا يرغب في سماع أي رأي آخر، كما أنه يتجاهل أي فكرة حتى لو كانت يمكن أن تكون فكرة جيدة، ويمكن للمدير العنيد أن يحطم معنويات الموظفين ويؤثر سلباً في تطوّر الشركة، ونرى في المقابل أن المدير المنفتح يدرك بأن الجميع متساوون ضمن المكتب، ويمكن للموظفين أن يصلوا لأفكار جديدة وتقديم المزيد من الاقتراحات لمناقشتها إذا كانت القيادة متواضعة.

آثار نفسية

ويؤكد أطباء تردد عدد من الموظفين إلى عياداتهم، بسبب التأثير النفسي في التعامل مع مديريهم، إذ يوضح الدكتور طلعت مطر، أستاذ الطب النفسي في «جامعة رأس الخيمة للطب والعلوم الصحية»، أن عدداً من الموظفين زاروا عيادته نتيجة المعاملة السيئة التي وجدوها في مؤسساتهم، وأن الكثير منهم ترك العمل بسبب رؤسائهم في العمل، موضحاً أن التنمّر الإداري هو ميل الأفراد أو الجماعات لاستخدام سلوك عدواني باستمرار مع زميل في العمل أو مديرين مع مرؤوسيهم، وهذا النوع من التنمّر يمكن أن يأخذ أشكالاً عدة مثل اللفظية، وغير اللفظية، والنفسية، والجسدية والإذلال والشائعات.

فالمدير السيئ لديه هدف ما، يريد أن يحققه، وقد يكون مشروعاً وقد لا يكون كذلك، وفي أغلب الأوقات قد يكون هدفه هو الحفاظ على سلطته، ولكنه في واقع الأمر يتسبب في أضرار بالغة للعمل؛ وأغلب الموظفين يتركون العمل بسبب مثل هذا النوع المؤذي من المديرين لأنه متعطش لإفشال موظفيه، ويحاول أن يظهر أمام الإدارة العليا، بأنه مدير ناجح، فيتخذ عدداً من الأساليب لنيل رضاها، بأن يضع مواعيد لإنجاز المهام غير واقعية، كما أنه دائماً ما يحجب المعلومات الضرورية، فضلاً عن تغيير تعليماته ومتطلباته باستمرار، رغبة في جعل القيام بالعمل على الوجه الأمثل مستحيلاً، وكل ما يفعله المدير المتنمّر، إذن، دفع الناس صوب الفشل والإحباط، ولا يمدّ يد المعونة للموظف المحتاج، وإنما، على العكس من ذلك، يبحث عن ثغرات أو هنات لدى أكفأ الموظفين، كي يمعن في إيذائه والإضرار به. ويمارس بعض المديرين الإساءة اللفظية مع موظفيهم، مباشرة أحياناً، وبالمواربة أحياناً أخرى.

بيئة صحية

تؤكد الأخصائية النفسية إسراء عابدين، أن عدداً من الموظفات تحدثن إليها خلال زيارتهن في العيادة النفسية، عن المعاملة السيئة التي وجدنها من رئيساتهنّ، وممارسة التوبيخ والإهانة الشخصية أمام الجميع، دون حسبان للخصوصية، وهي إحدى صفات المدير السيئ الذي يصنع بيئة عمل سامة وسط الموظفين.

ولهذا لا بدّ للمؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة، أن تأخذ في الحسبان، الجانب النفسي لموظفيها، ولا تركز على الإنتاج والربح المادي فقط، وإنما تحسين الأداء والسلوك داخلها، وإرساء مبادئ قائمة على علاقات اجتماعية قوية تبعث على تعامل الآخرين مع هذه المؤسسة دون غيرها، ولكن للأسف هناك شركات ومؤسسات، آخر نقطة تبحث فيها عن سبب تدني الإنتاج، هو نفسية الموظف والبيئة النفسية المتوفرة له، وهذا يخلق شخصية وظيفية ضعيفة تتأثر ليس داخل المؤسسة؛ بل حتى وسط المجتمع الخارجي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى