6 أغسطس.. ذكرى خالدة في وجدان الإمارات

ناصر الجابري (أبوظبي)
تعد ذكرى تولي الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، في السادس من أغسطس من عام 1966، حدثاً بارزاً في فصول حكاية دولة الإمارات المشرقة، باعتباره يوماً تاريخياً لا ينسى من ذاكرة ووجدان أهل الإمارات، فهو اليوم الذي انطلقت من خلاله مسيرة مباركة مليئة بالنجاحات ومتلألئة بالمنجزات.
ومنذ السادس من أغسطس، عاش الإماراتيون في مراحل متتابعة من التطور اللافت وغير المسبوق في جميع المجالات، برؤية المغفور له الشيخ زايد التنموية، وإيمانه المستمر بضرورة الاستثمار في الكادر البشري وتأهيل أبناء الإمارات ليكونوا قادة المستقبل، حيث ترسخت مفاهيم العلوم والمعارف والتنافسية الإيجابية، وأصبح أبناء الإمارات يتسلحون وينهلون من مختلف العلوم، وينخرطون في أصعب المجالات وأدقها، تعزيزاً لريادة الإمارات وموقعها الدولي.
وانطلاقاً من المفاهيم التي آمن بها «طيب الله ثراه»، وقناعة منه بأهمية الأخوة الإنسانية التي تجمع شعوب العالم، جاءت مساهماته لترسخ من دور دولة الإمارات باعتبارها منصة للتسامح والتعايش والمحبة، باحتضان دولة الإمارات لما يزيد عن 200 جنسية، وبوجود التآلف والتلاحم المجتمعي بين الجميع باختلاف أعراقهم ودياناتهم ولغاتهم، وهو ما جعل الدولة مثالاً دولياً مشرقاً في قدرة العالم على توحيد المجتمعات وتعزيز تواصلها وترابطها، عبر النهج الذي أرساه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمبادئ التي حرص على بثها ونشرها حول العالم، وهي مبادئ الخير والسلام والتضامن.
وجاء تولي الشيخ زايد لحكم أبوظبي، بعد سجل زاخر بالإنجازات قاده خلال مسيرة العطاء في العمل الوطني، منذ توليه مهام ممثل الحاكم في مدينة العين بالمنطقة الشرقية في العام 1946، ليأتي خبر توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، ليمثل فرحة وطنية عارمة من أهالي إمارة أبوظبي والذين عرفوا ما يتصف به الوالد المؤسس من صفات قيادية وخصال حميدة ورؤية بعيدة المدى وحكمة ومبادئ، مما جعل يوم السادس من أغسطس يوماً مجيداً وسعيداً، تجسده الفرحة المجتمعية التي عمت المناطق ابتهاجاً بهذا الخبر.
وبرغم التحديات في منتصف الستينات، إلا أن عجلة البناء والتنمية واستمراريتها، مثلت الأولوية الأولى لنهج الشيخ زايد الحكيم، حيث حرص على غرس روح الأمل والتفاؤل لدى مختلف الشرائح المجتمعية، إيماناً منه أن لا شيء مستحيل بوجود الإرادة الصلبة للإنسان، ولقناعته بأن التحديات تمثل فرصاً جديدة ومفاتيح لأبواب من النجاحات المستقبلية، وهو الأمر الذي جعله يعقد العزم على تنفيذ الخطط والسياسات منذ الأيام الأولى، ذلك بأن العمل يتطلب الجد والاجتهاد والإخلاص والتفاني، ومن خلاله تأتي الثمار والنتائج المبهرة التي يتم حصدها.
وحرص «طيب الله ثراه» على مسابقة الزمن، حيث أصبحت عائدات النفط تزيد عاماً بعد عام مع اكتشاف الحقول الجديدة، والدخول إلى مرحلة الإنتاج، وفي نفس الوقت كانت توقعات المواطنين المتزايدة تعني أن برامج التنمية يجب أن تجرى بسرعة تتوافق مع التطلعات والتوقعات المجتمعية، وهو الأمر الذي أدى لتأسيس أول هيكل حكومي رسمي للإمارة، وباشر برنامج تشييد على درجة ضخمة لبناء الطرق والمدارس والمساكن والمستشفيات ليس في مدينة أبوظبي فقط، بل امتدت المشاريع لتشمل جميع المدن والأنحاء، للتأكيد أن منافع الثروة الجديدة تعود على المواطنين في كل مكان من الإمارة.
وشهدت إمارة أبوظبي بعد سنوات قليلة من تولي الشيخ زايد لمقاليد الحكم فيها، تحولات جذرية في زمن قياسي، حيث تم تنفيذ مئات المشاريع في البناء والتشييد والتحديث والتطوير والخدمات، والتي شملت إقامة المساكن والتجمعات السكنية الحديثة، وبناء المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات والهياكل الأساسية للبنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء ومياه وخدمات الاتصال والمواصلات، وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية من أجل بناء دولة عصرية وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.
وحظي «طيب الله ثراه» بسمعة طيبة بين أهالي أبوظبي، واشتُهر بكونه حاكماً بالفطرة، وضرب خلال فترة حكمه نموذجاً يُحتذى به، وتمثّلت مبادئ القيادة عنده في المحافظة على روابط قوية بينه وبين شعبه، والإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، لذلك حرص دائماً على أن يكون مجلسه مفتوحاً للجميع، حيث كان يتخذ قراراته بناءً على الشورى والآراء مع شرائح المجتمع، وكان يسافر إلى جميع أنحاء المنطقة وحتى المناطق النائية منها، لمشاورة الناس، وتفقد أحوالهم، وسؤالهم عن حاجاتهم، حيث حظي بحب الشعب واحترامه كواحد من أفراده، وكقائد يحرص دائماً على الاستماع إلى جميع رعاياه، ويُمثل فضائل الكرم وحسن الضيافة.
وبالتزامن مع السادس من أغسطس، كانت فكرة الاتحاد هي الأساس الذي ارتكزت عليه رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث بدأت المباحثات حول قيام اتحاد في المنطقة، وشهدت تطوراً متسارعاً خلال السنوات اللاحقة لتوليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، نظراً للرؤية الوحدوية التي امتلكها، انطلاقاً من أواصر اللغة والدين والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك والوحدة الجغرافية التي تجمع المنطقة، وهو ما جعله حريصاً على التأكيد بضرورة الاتحاد لأجل مصلحة الشعوب ورفاهيتها.
وانعكاساً لتطلعاته الوحدوية ورؤيته، بادر بعد أقل من عامين من توليه حكم إمارة أبوظبي، بالدعوة إلى جمع شمل الإمارات، ولاقت هذه الدعوة الحكيمة والمخلصة استجابة واسعة تجسدت في الاجتماع الذي تم بين المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في منطقة السمحة في 18 فبراير 1968 في أعقاب إعلان الحكومة البريطانية في ذلك العام عن إجلاء جيوشها من الإمارات المتصالحة في الخليج قبل عام 1971.
وتركز اللقاء على إقامة اتحاد بين الإماراتيين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، واتفقا على دعوة حكام الإمارات الأخرى لاجتماع في دبي لمناقشة قيام الاتحاد، ورفع بعد هذا اللقاء شعار الاتحاد الذي نادى به القائدان الكبيران.
وفي 18 يوليو 1971 عقد مجلس حكام الاتحاد اجتماعاً مهماً في دبي أقروا فيه مشروع الدولة الاتحادية، وذلك استجابة لرغبة شعوب المنطقة في إقامة دولة اتحادية يطلق عليها اسم الإمارات العربية المتحدة، لتصبح نواة لاتحاد شامل في المنطقة، حيث جاء الثاني من ديسمبر لعام 1971 ليكون ولادة الحلم، وإعلاناً عن قيام دولة استطاعت أن تتصدر العديد من مؤشرات التنمية والتنافسية العالمية خلال فترة وجيزة من الزمن.
واستطاع الشيخ زايد فور قيام الاتحاد أن يوزّع عائدات الثروة النفطية على القطاعات التي كانت في أشد الحاجة إلى التطوير، وأن يضمن مكانة اجتماعية مستقرة لجميع مواطني الدولة، ولم يقتصر اهتمامه فقط على الاستقرار الاقتصادي للدولة، بل شعر أيضاً بالمسؤولية الشخصية حيال تعليم الجيل الجديد تراثه وثقافته، مع الحفاظ على ذكريات الماضي وقيمه، حتى يتسنى للدولة أن تتأقلم على نحو أفضل مع التغيرات السريعة المقبلة، حيث كان توفير التعليم لجميع مواطني الدولة إحدى أهم المبادرات.
وخلال العقود المتلاحقة، نجحت الإمارات في أن تتبوأ مكانة مرموقة عالمياً.
روح قيادية وعمل دؤوب
اعتبرت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب أن السادس من أغسطس 1966 قدر ترجّل عن صهوة الانتظار، وأخذ بأيدي الإماراتيين ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه في مهبِّ الرخاء مع أحلامهم والغد.
ودوّنت معاليها على حسابها في تويتر قولها: «السادس من أغسطس.. عندما ترجّل قدر هذه البلاد عن صهوة الانتظار، وأخذ بيدنا لنجد أنفسنا وجهاً لوجه في مهبِّ الرخاء مع أحلامنا والغد».
من جهته، قال الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، إن السادس من أغسطس يوم مجيد، مشيراً إلى تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» مقاليد الحكم، مجسداً روحاً قيادية فذة مصحوبة بالعمل الدؤوب والتخطيط السليم والإنجاز العظيم.
ودوّن على «تويتر» قوله: «السادس من أغسطس 1966، كان يوماً مجيداً حينما تولى زايد مقاليد الحكم، ليجسد به روحاً قيادية فذة مصحوبة بالعمل الدؤوب والتخطيط السليم والإنجاز العظيم. تحولات قادها الشيخ زايد على امتداد حكمه يصعب حصرها، فهي كما قال الشاعر: لهُ أيادٍ إليّ سابغةٌ.. أعدُّ منها ولا أعدّدها».
من ناحيتها: قالت ناعمة المنصوري عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن الشيخ زايد هو الأب لكل العرب وليس فقط للإمارات، مشيرة إلى ما تركه من القيم والمبادئ التي يتعلم منها الإماراتيون الآن، منوهة إلى أن أبناءه أوفياء للإمارات وشعبها.
ودونت على«تويتر» قولها: «زايد هو الأب لكل العرب وليس فقط للإمارات، ترك لنا الكثير من كنوز القيم والمبادئ التي نعلم أولادنا إياها الآن، ترك للعالم كله أسرة حاكمة وفية للإمارات وشعبها».وقال مكتب أبوظبي الإعلامي على حسابه في «تويتر»: «لأكثر من نصف قرن، تحتفي أبوظبي في السادس من أغسطس بذكرى تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان مقاليد الحكم في الإمارة، ليبدأ عام 1966 مهمة وضع حجر الأساس، تمهيداً لمستقبل زاخر ومسيرة تنموية شاملة، وتصبح إمارة أبوظبي اليوم إحدى أفضل الوجهات في العالم».